الغربة.. وما أدراك ما الغربة؟!

الغربة.. وما أدراك ما الغربة؟!



بقلم: أنور العديني – هندسة نفط

كان أملا بعيداً يراودني وأنا لا زلت صغيراً يافعاً أدرس المرحلة الإعدادية للحنين للغربة، كنتُ حينها أسمع آهات المغتربين ونتهدات العاشقين والمعشوقين، فكنت أتسأل: ما معنى الغربة؟ ولماذا  الأنام يشكوا منها؟!  فهذا يسرد لي قصة طفولته وكيف عاشها مع أقرانه في ريفه الجميل  المتواضع.. وأخر لا أسمع منه كلام ولا ثرثرة بل أسمع منه تنهدات تخرج من فؤاده كأنها البراكين لسان حاله يقول لي: ستشرب من كأس المرارة يوماً، بل وسيلفح نارها وجهك، وسيجف ماء ريقك من منغصاتها وآلامها.

 دخلتها مصدوماً ولأول مرة أغترب، فوجئت  بعدد هائل من الوجوه، وجوه بيضاء  سمراء بنية  وأخرى خليط من اللون الأبيض والأسمر..  فقلت في نفسي: هذا هو ما يُسمى التقاء الحضارات.. ولكني وجدت أن هذه الوجوه بلا ملامح  وكذلك الأطعمة بلا مذاق؛ عندها أدركت اني في شبه سجن لا مفر منه.

الغربة مهما تعددت أسبابها تبقى غصةً عالقةً في أذهان المغتربين، ومحنة في قلوب المننتظرين لك بفارغ الصبر ليسدوا رمق جوعهم من جرّاء ما حصدته من ألم الغربة أن كنت عاملاً، آملين رجوعك إليهم ليضعوك تاجاً على رؤوسهم، ونجماً يهتدوا به في  ظلمات الجهل والجوع والفقر  ان كنت طالب علم.. فهي مهما تعددت الأسباب تبقى بلا شك ظلام في القلوب، وبرد في النفوس، هي ذاتها.. في كل حرف منها حرقة قلب مشتاق، وحنين، وألم، وعذاب.

قد تكون الغربة وطناً تماماً؛ كما قد يكون الوطن غربة.. فالغربة الحقيقية هي ذلك الشعور بالوحدة.. اختناقك برغم الهواء، قيودك برغم الحرية.. هي بالتاكيد إحساسك المرعب بأنك لاتمت إلى الأشياء التي  حولك بصلة.

 قالوا: الغربة كربة!! قلتُ: نعم! لكنها صنعت رجالاً ذا أنفة وكبرياء، جعلوا أخلاق دينهم وثقافات وعادات مجتمعهم ترنوا إلى القمم العلياء، فلا يكاد يذكر الإسلام في بلدٍ ما إلا واليمنيون هم من نشروه وعمروه  واوصلوه إلى كل شبر في بلاد  العالم.. فمثل هولاء الرجال يصنع التأريخ، فالتأريخ يحتاج إلى التضحية لتضع بصمتك بين سطوره..

وفي الختام ندعو ربنا على الثبات في ديننا وأخلاقنا، فأننا بلا شك في ذمة الله حتى نرجع  ندعو من أستطعنا دعوته  بمعاملتنا وأخلاقنا.. وأخر كلماتي إليك  أخي القارئ (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك).. سائلاً المولى عز وجل أن يحفظنا ويرعانا  في دينننا، ويرجعنا الى أهلنا  ووطننا سالمين غانمين بحض وافر من العلم...

هناك تعليق واحد: