الكلمة الأخيرة

الكلمة الأخيرة

المبادرة الذاتية.. تألق النجاح



كتب/ رضوان قاسم شداد – رئيس التحرير

يُحكى أن أحد الحكام فى الصين وضع صخرة كبيرة على أحد الطرق الرئيسية فأغلقها تماماً.. ووضع حارساً ليراقبها من خلف شجرة ويخبره بردة فعل الناس.. مر أول رجل وكان تاجراً كبيراً في البلدة، فنظر إلى الصخرة باشمئزاز منتقداً من وضعها دون أن يعرف أنه الحاكم، فدار هذا التاجر من حول الصخرة رافعاً صوته قائلاً: سوف أذهب لأشكو هذا الأمر، سوف نعاقب من وضعها.. ثم مر شخصٌ أخر وكان يعمل في البناء، فقام بما فعله التاجر، لكن صوته كان أقل علواً لأنه أقل شأناً في البلاد.. ثم مر ثلاثةُ أصدقاء معاً من الشباب الذين ما زالوا يبحثون عن هويتهم في الحياة، وقفوا إلى جانب الصخرة وسخروا من وضع بلادهم، ووصفوا من وضعها بالجاهل والأحمق والفوضوي، ثم انصرفوا إلى بيوتهم.. مر يومان حتى جاء فلاحٌ عادي من الطبقة الفقيرة ورآها فلم يتكلم، وبادر إليها مشمراً عن ساعديه محاولاً دفعها طالباً المساعدة ممن يمر، فتشجع أخرون وساعدوه فدفعوا الصخرة حتى أبعدوها عن الطريق.. وبعد أن أزاح الصخرة وجد صندوقاً حُفر له مساحة تحت الأرض، في هذا الصندوق كانت هناك ورقة فيها قطع من ذهب ورسالة مكتوبٌ فيها: "من الحاكم إلى من يزيل هذه الصخرة، هذه مكافأة للإنسان الإيجابي المبادر لحل المشكلة بدلاً من الشكوى منها".. تلك القصة تبين لنا أهمية المبادرة الذاتية من الأشخاص العاديين لإصلاح وعمارة الأرض التي جعلنا الله خلفاء فيه.. والرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: { الإيمانُ‏ ‏بضعٌ ‏ ‏وسبعون باباً أدناها ‏ ‏إماطة ‏ ‏الأذى عن الطريق، وأرفعها قول لا إله إلا الله }..

لا ينجح ولا يتفوق أي عمل جماعي إلا بتكاتف وتعاون الجميع لما فيه مصلحة المجموع.. ذلك التعاون لن يتأتّى إلا بالمبادرة الذاتية من قبل كل فرد.. فثمة علاقة وطيدة بين نجاح وتميز أي مؤسسة جماعية والمبادرات الذاتية من قبل أعضاء تلك المؤسسة.. فحين يبادر كل عضو ويتسابق مع الأخرين للقيام بمهمة ما، تصبح تلك المؤسسة كخلية النحل.. المبادرة الذاتية أيضا لا تقتصر على القيام بمهمة ما، فبعض الأعمال تحتاج إلى تشجيع وتحفيز وحضور، فالعضو المخلص والوفي لمؤسسته يحضر فعالياتها لعله يستفيد من الأخرين ويشجع القائمين على تلك الفعاليات كي يقدموا أفضل ما لديهم.. لذا فالمبادرة الذاتية على قسمين: ملموسة كالمشاركة في المهام والدعم المالي، ومعنوية كالتشجيع والنقد البناء وتقديم المقترحات.. المبادرة الذاتية قد تكون بدعوة مباشرة أو غير مباشرة من قبل الهيئة الإدارية أو الإشرافية لفرد بمهمة ما فيتجاوب لتلك الدعوة بدون تلكؤ، وقد تكون من تلقاء النفس بعرض ما يمكنه القيام به والإلحاح على وضع ذلك ضمن ما تخطط له المؤسسة..

تعتبر المبادرات الذاتية ضرورة مُلحة خصوصاً في العمل النقابي والتطوعي (كالجمعيات الخيرية والنقابات المهنية والاتحادات الطلابية) من قبل كل الأفراد دون استثناء.. للأسف إن لدينا ثقافةٌ خاطئة نحو تلك الأعمال؛ إذ نظن أن المهام يجب أن يقوم بها الأعضاء الإداريين فقط.. حينها نثقل كواهلهم، فيبذلون الجهد أضعافا ليحققوا بعض أهدافهم وينجزوا بعض الفعاليات المخطط لها.. قد ينجحوا في ذلك، لكنهم سيتميزوا أكثر ويبدعوا أكثر حين يساندهم الأفراد بمبادراتهم الذاتية لتخفيف الحمل عنهم وتوزيع المهام بكل بساطة.. فبوجود المبادرات الذاتية ينجح العمل الجماعي أيّما نجاح، ويتميز ليصبح أكثر تألقاً، وبما يعود بالنفع على الفرد والمجتمع.. وبذلك يستطيع الكادر الإداري أن يتفرغ أحيانا ليخطط للحاضر والمستقبل بوعي وإدراك تام لا تشوبه ضغوط العمل التي يتحمل جزء كبير منها الأفراد..

خير من يقوم بالمبادرات الذاتية الشباب، الذين هم عماد الأمة في الحاضر والمستقبل.. الشباب الذين لديهم طموح عالي وإرادة قوية وعزيمة فولاذية.. الشباب الذين يمكنهم الإبداع بلا حدود والتميز دون ضعف.. الشباب الذين يملؤهم النشاط والحيوية والفاعلية.. الشباب الذين يرضون بالقليل لينجزوا الكثير بكفاءة عالية.. فلو أمعنا النظر في الدول المتقدمة لوجدنا طلائع الشباب هي من تقود التجديد والتطوير دوماً.. لذا فهم أهلاً للمبادرات الذاتية، وعلى الهيئات الإشرافية والإدارية للمؤسسات دفعهم لذلك وتحفيزهم مادياً إن أمكن وتشجيعهم معنوياً وتوفير ما يلزم لذلك.. ولا بئس من إشعال فتيل التنافس بينهم للقيام بالمبادرات الذاتية دون حسدٍ ولا أنانية كي يقدم الجميع أفضل ما يمكن..

لذا حتى لا نضيف أرقاماً سالبة القيمة إلى وضعنا المزري، علينا أن نكون ذا همةٍ عالية وطموحٍ كبير.. علينا أن نكون شباباً مبادراً ومتسابقاً إلى الخيرات.. علينا أن نخطط أو نشارك في التخطيط للقيام بمهام تعود بالنفع علينا وعلى أمتنا، وأن نتبع التخطيط بالتنفيذ.. علينا أن نمد أيادينا أولاً قبل الأخرين لتشييد مستقبلنا بحكمة وقوة مستمدين العون من رب العالمين.. علينا أن نكون ذا حضور إيجابي في مجتمعاتنا التي تحتاج لنا.. على الأقل نرد الجميل لمجتمعنا وأهلنا الذين دوماً يفتخرون بنا، وينشدون الخير فينا، وأن نكون عند حسن ظنهم فينا مهما كانت العقبات والمنغصات.. فصبرٌ جميل والله المستعان..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق