عن الروح الشاعرة في حياة المهندس

عن الروح الشاعرة في حياة المهندس





 بقلم/ أحمد الخميسي – هندسة كهربائية 

في كل منا بذرة كاتب مبدع ومتألق إن تعودنا على تسجيل خواطرنا الاعتيادية التي تطرأ من حين لأخر، مهما رأينا من سذاجة تلك الأفكار وابتذالها أو عدم أهميتها، لكن ما ينقصنا فعلا هي المحاولة، فليس صعباً أن يكون لأحدنا يوميات يعتاد على كتابتها في نهاية كل يوم جامعي. أدرك وكلي ثقة أن لدينا متسع من الوقت لكتابتها إن ملنا للتعذر عن ذلك بامتلاء أوقاتنا وازدحام جداولنا الدراسية، ففي محطة الباص - صديقي العزيز - عند انتهاء اليوم الدراسي تستطيع أن ترسم صور جميلة من يومك الذي أنت بصدد طي أخر ثوانيه، وإن لم تكن إلا مجرد سرد قصصي لوقائع ذلك اليوم، وستجد الأمر ممتعا للغاية، سيما إذا استغرقت في الخوض في تفاصيل أحداثه وتحليلها بالطريقة التي تحلو لتوجهاتك الاقصوصية أو مخيلتك الروائية. آنذاك لن تصدق نفسك أنك أنت الذي في لحظات سأمك تلك قد كتبت ما كتبت. لن يقطع عليك الباص البتة حبل أفكارك لأن باصات الجامعة وكما تعلمون قد راعوا الأمر بتأخرهم المعتاد وكأنهم ضمنا يمنحوننا الفرصة لاستثمار قرأتنا الابداعية.

قلت ما سبق بناء على تجربتي التي بدأتها في بداية الفصل الماضي، حين نمت الفكرة من مجرد رغبة ملحة لتسجيل انطباعي عشية أول ليلة في الفصل الدراسي بعد انتهيت من تسجيل موادي الدراسية، واطلاعي على تقويم السير الأكاديمي لذلك الفصل، سجلت انطباعي وترجمت مشاعري لتلك الليلة بالطريقة التي اتيح لها، لكن ما فاجأني هو شعوري اللاارادي في الليلة التالية وبنفس التوقيت للكتابة بالصورة التي فعلت في اليوم الاول، سيما وأن الأمر في منتهى اليسر والبساطة إذا كان لديك جهاز لوحي أو تلفون ذكي به مزية كتابة اليوميات.

إن ما تسطره يدك من تلك اليوميات ستزرع فيك ثقة منبئة عن بواكير العمل الادبي المتميز في كتاباتك، وستلحظ ذلك الشعور جلياً حين تعاود قرأته في قادم الامر. فعملية الكتابة هي ليست فقط موهبة وإنما اعتياد على الكتابة وتمرس عليها، وما يؤكد ذلك هو ذك الشعور الذي يراود الكاتب المحترف بعدم قدرته على الكتابة حين يتركها لبعض الوقت. لا أنكر أن الصورة التي يرسمها الكاتب الموهوب المتألق ليست كالتي يسجلها الشخص العادي، لكنهم بالنهاية يشتركون في اثراء المكتبة والقارئ بما تسنى لقدراتهم أن تسجل، ولا ننسى أن التجربة التي تتوفر لكلا الشخصين تتمايز، وهذا أحد الأسباب الداعية إلى أن نكتب دون أن نترك فعل الكتابة والتأليف لمن نحن خطأ حصرناه عليهم وركنا به إليهم.

قد يقول قائل إن فكرة الكتابة لا تراودني مطلقا، ولا أشعر أنني أُريد أن أكتب البتة، فأنا أبغض شيئاً كان يدعى حصة التعبير، واضيق ذرعاً إن سُئلت في موقفا ما للتعبير عن شعوري، إنه وهم ومشاعر هدامة تراود الكثيرين وتسيطر عليهم وإلا لما تجلى نقيض ذلك في المواقف الإضطرارية كحالة امتحان أو غير ذلك، حينها تعرف كيف تنقاد الأفكار سطوراً على بياض الورق، وكيف تميط اللغة عن مصطلحات اختزنتها الذاكرة منذ أمد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق